هل مازلت تحلم بالسفر ورؤية العالم، إذن افتح عقلك وقلبك وتعالى معي في تكملة جولتي ببرلين، فإذا استطعت أنا أن أتخطى كافة العقبات وأقف في ميدان الكسندر بلاتس لأتسوق فبتأكيد يمكنك ذلك والأمر ليس بهذه الصعوبة حقًا.
الفكه المقدسة وأزرار الحافلات تكنولوجيا تكنولوجيا
وقفت الحافلة أمامي فاندفعت لأركبها ولكني فوجئت بأن الحافلة تميل يمينًا مما جعلني أتساءل هل تنوي الحافلة السقوط في هذه اللحظة، ولكن بعد ثواني اكتشفت الحقيقة فالحافلات عندما تتوقف لديها تقنية تكنولوجية كي تميل الحافلة بأكملها عدة درجات لليمين كي يلتصق سلم الحافلة بالرصيف ولا يكون هناك أي فراغ بينهما كي يصعد الركاب دون أي مخاطر لأن تفلت أقدامهم، وبينما ونحن نصعد رأينا شاب في عمرنا فوق كرسي متحرك وكشهامة عربية قرر الشباب أن يحملوا المقعد ليصعد على متن الحافلة، ولكن المفاجئة التي أخرستنا جميعا أن السائق ضغط أحد الأزرار فهبط جزء منزلق ليغطي سلم الحافلة ويحولها لمنزلق يصلح لصعود الكراسي المتحركة وعربات الأطفال كذلك بكل بساطة.
قبل الصعود كانت صديقتنا الألمانية التي تعرفنا عليها قد حذرتنا من أن الحافلة لن تقبل وجودنا في حالة لم يكن معنا فكه 2 يورو لأن عملية شراء التذكرة آلية تضع النقود في الماكينة بجانب السائق فتخرج التذكرة، ولكننا أخبرنها عن تذكرتنا الجماعية وعدم حاجتنا لقطع تذكرة من الأساس.
في الحافلة ومازلنا معها ستجد شاشة مضيئة تخبرك باسم المحطة التالية التي سنتوقف بها، ولكن ليس هذا كل شيء، فهناك صوت مسجل واضح ويبقى طوال الرحلة يخبرك كل فترة باسم المحطة التالية حتى لا يترك لنا أي فرصة "استعباط" وإدعاء إننا لم نعلم، وليس عليك رفع صوتك لتخبر السائق بأنه "على جنب يا أسطى"، بل عليك ضغط الزر الأحمر الكبير في مقعدك ليشير للسائق في الشاشة أمامه أن راكب المقعد رقم كذا ينوي النزول المحطة التالية.
الكسندر بلاتس والشوبينج الرهيب
بتأكيد كفتاة فأنا أعشق الشوبينج حتى لو لم اشتر، فإن المشاهدة ذاتها ممتعة، وحتى لو لم تكن فتاة فلا تخبرني رجاءًا إنك ستأتي إلى برلين ولن تقوم بشراء هدايا لطيفة لسيدات أسرتك؛ زوجتك، خطيبتك، والدتك، أختك، مرات عم والدك، وزوجة خال مرات عمك وهكذا، وبكل تأكيد عندما هبط من الحافلة رقم 100 في ميدان الكسندر بلاتس الشهير كنت أعد يورهاتي المعدودة التي وضعتها في خطتي من أجل شراء الهدايا وأنا أضع يدي فوق قلبي، وقد قررت في حالة كانت أسعار الهدايا مبالغ بها أن أدعي لدى الأهل والأصدقاء إنني لم أأتي إلى برلين من الأصل ولم اشتري هدايا وأن سائق الطائرة قد أخطأ وأسقطنا في الصحراء الكبرى، نصيحة قم بكتابتها فوق يدك قبل السفر ولا تمحها، لو كنت من محدودي الميزانية أبتعد عن المحلات الشهيرة ولا تجعل لافتات مبهرة كمحل "نيويوركر" تغريك فتدخل للشراء وينخرب بيتك في الداخل، حيث الأسعار الخرافية، واكتفى فقط بمشاهدة هذه المحلات التي تتألق في الوجهه ولكن على جانبيها وخلفها في نفس الميدان ستجد العديد من المحلات التي تبيع ذات المنتجات بذات الجودة بأسعار جيدة.
أما المفاجئة التي تضاهي مفاجئة الشيكولاته، فهي أسعار البرفانات، فلا تفوت هذه الفرصة حيث ستحصل على أجمل البرفانات الفرنسية بأسعار خيالية، ويمكنك بمبلغ لا يتعدى 5 يورو وربما أقل كذلك أن تحظى لنفسك أو لخطيبتك بزجاجة فاخرة ذات حجم متوسط من أرقى العطور الفرنسية، وإذا خبئت هذه المقال عن خطيبتك فيمكنك الإدعاء أنك قد دفعت بها مبلغ وقدرة كذلك، وصدقني مقارنة بسعر نفس الزجاجة في مصر والعالم العربي ستصدقك خطيبتك على الفور، ينطبق الأمر ذاته على كافة أدوات التجميل والمكياج، فأغلبها صناعة فرنسية وألمانية بالطبع وأسعارها أقل من ربع ما ستدفعه بها من منطقتنا العربية.. لذا لا تفعل مثلي وتفوت الفرصة.
حافلة هوب إن هوب.. وغوص في خبايا برلين
دعني أخبرك بمزيد من أسراري فأنا فضولية للغاية تجاه المعرفة وحبي للسفر منبعه أنني أريد أن أرى كل شيء وأن أسير فوق الأماكن التي سار عليها القواد والملوك والفنانون من قبل، أن أتخيل ماذا كان يحدث هنا يومًا، لذا كانت مشكلتي إنني أريد مشاهدة كل شيء في برلين، وبما أن الميزانية محدودة كما تعلمون فأريد مشاهدة هذه الأماكن في أقل وقت ممكن كي لا أتجاوز الوقت المحدد لبرلين، لذا عندما سألت موظف الاستقبال الظريف عن الحل أخبرني عن حافلة Hop on Hop وهي حالفة لطيفة للغاية ستأخذك في جولة لمدة يوم كامل لكل مكان يستحق الزيارة في برلين مع شرح تفصيلي بالألمانية والإنجليزية، ومع توقف في المحطات لزيارة المعالم الهامة كذلك، وكل ذلك بمبلغ 17 يورو، أي أن هذا المبلغ يمكن أن يصبح ميزانيتك للمزارات في برلين كلها.. لذا حين صعدت على متن الحافلة شعرت بأنني أركب آلة زمن لأشاهد التاريخ.
سور برلين مأساة حفرت على الاسمنت
لن أحكي لك عن مسار الحافلة فهذا ممل، لذا دعني احكي لك عن ما فعلته في كل مزار رأيته هناك، لا يمكنك أن تزور برلين دون أن تزور سور برلين هذه بديهية لست في حاجة لتوضيحها لك، السور الذي ظل لسنوات يفصل بين نصفين العاصمة الألمانية ويفرقها إلى شرقية وغربية، والذي بقى منه جزء كبير كمزار ليشهد على معاناة أسر كاملة فرقتها الكراهية والحروب، أشد ما أثار شجني هو الكتابات المحفورة على الجدران، والفتحات الضيقة التي عرفت أن الأهالي كانوا يصنعونها ليرسلوا لبعضهم البعض ورقة أو ورده من خلف الحصار. السور ورؤيته سيثيرون داخلك الكثير من الشجن.
أما إن كنت من محبي فن الجرافيتي فإن الجزء التالي والأكبر من السور سيثير إعجابك بشكل أكبر فقد ظللت لساعة كاملة أسير وأعود لأشاهد الرسومات المبدعة، ولكن لو كنت من الأشخاص الأكثر تحفظًا أو معك أطفال فبعض صور الجرافيتي ذات التلميحات السياسية الجريئة قد لا تناسبك فمر من أمامها مرور الكرام.
خط سور برلين لا تنسى أن تصور قدميك فوق الخط
هناك بعض السخافات الإلزامية التي يجب أن تفعلها مهما كان وقارك، ومنها أن تضع قدميك فوق الخط الفاصل لسور برلين وتلتقط صورة، مهما بدا هذا مكرر فلن يمكنك المقاومة، كما لا يمكن للمخطوبين الجدد مقاومة تصوير "الدبل" في أصابعهم ووضعها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخط سور برلين هو خط محفور على طول برلين مع مستطيلات من المعدن يوضح مكان السور القديم بين برلين الشرقية والغربية، وهكذا لو كانت قدميك على يمين الخط وملت بجسدك إلى يساره، فنصفك سيكون في دولة ونصف الآخر في دولة أخرى.
برج التليفزيون طاردني طوال فترة إقامتي
عمود طويل للغاية في نهايته كتلة خرسانية مستديرة، ظل يطاردني منذ وضعت قدماي في برلين أينما أدير وجهي أجده في الأفق، دعني أكن صريحة معك فشكله لم يكن مبهر وكنت أشعر بأنه مشوه للشكل العام، كما كنت أتمنى أن أعرف ما هو هذا الشيء الذي بدا لي كماسك صواعق على أفضل حال، وهكذا تجرأت وسألت أحد البائعين على عربة في الشارع عن هذا الشيء فنظر لي كالعادة باندهاش وكأنه يتساءل لماذا يعيش على الأرض من لا يتحدث الألمانية، ورفع أحد حاجبيه ليطلق في وجهي دفعة من المدفع الرشاش المثبت في فمه للغة الألمانية، فلم أحظى بإجابة بالطبع، فقط بعد ركوب الحافلة السياحية جاءتني الإجابة بأن هذا أعلى برج في برلين ويسمى برج التليفزيون، ولذلك أنصحك على الرغم من الشكل القبيح للبرج من الخارج أن تزوره فالمنظر من أعلى البرج خلاب ولا يمكن أن تنساه، أما لو كان لديك بعض المال المتبقي ولم تقضي على ميزانيتك كما فعلت أنا فيمكنك أن تحظى بوجبة جيدة في مطعم الفندق وأن تشاهد البشر والموجودات كالنمل من أعلى.
النصب التذكاري للهولوكوست حالة من "التوهان" المرعب
بعيدًا عن حساسيتنا كعرب اتجاه كل ما يتعلق بالهولوكوست، وخاصة مع الدعاية الصهيونية له، ولكن لا تدع هذه الأفكار تمنعك من مشاهدة هذا المكان المميز، فساحة الهولوكوست مموريال فريدة من نوعها، عندما غادرت الحافلة لأقف أمام عشرات وربما مئات من الكتل الخراسانية المعتمة لم أفهم في البداية ما سر الجمال ها هنا، وبالطبع كأي مصرية أصيلة خشيت أن اسأل كي لا اتهم بالجهل، ولكن المرشدة البارعة ردت على سؤالي الذي لم اسئله على الفور بقولها بالطبع تسألون عن مواطن الجمال في كتل خراسانية تبدو حمقاء بلا فائدة كهذه؟ وهو ما اتفقت معها به على الفور.
ولكن الإجابة كانت بدعوتنا لتقدم داخل الساحة المليئة بالكتل الخراسانية مختلفة الأحجام والأرض غير المستوية وأن نحاول بعد قليل أن نجد بعضنا البعض، طاوعتها ومشيت بين الكتل التي شعرتها تجسم على صدري وبعد دقائق قليلة أصبحت لا أرى شيء، لا أصدقاء، لا شارع، لا حياة فقط أرفع رأسي لأعلى لأرى السماء، وقد انتابني قليل من الذعر وأن أخرج من ممر لأخر وأشعر إنني قد ضللت الطريق، قد اسمع أصوات أصدقائي ولكن لا أراهم، بعد دقائق استطعت الخروج من هذه المتاهة وعندما تجمعنا عرفت أن هذا هو الهدف من النصب التذكاري أن تشعر بما شعر به ضحايا النازي في زنازينهم المفردة وكل شخص يسمع أصوات عائلته فلا يستطيع الوصول إليهم.. بصرف النظر عن قناعتك فلقد فعل النازي فظاعات، يمكن لهذه الساحة أن تشعرك ببعضها.
نقطة تفتيش الجيش الأمريكي "إحنا فين؟"
كنت أسير في أمان الله لأجد أمامي العلم الأمريكي وكشك للشرطة وضباط أمريكيين واقفين في منتصف الشارع، من ما جعلني أحاول التذكر هل كانت رحلتي لبرلين أم لواشنطن، ولكني اكتشفت أن هذه نقطة تفتيش زائفة وهؤلاء الجنود ما هم إلا ممثلين وظفوا خصيصا ليمثلوا هذا الدور يوميا، حيث كانت تقع أهم نقطة تفتيش للجيش الأمريكي بين نصفي برلين لتسمح بالمرور من جحيم برلين الشرقية إلى الغربية، إنها تجربة عليك أن تخوضها.
الرايخستاج التقط صورة أمام شرارة نشأة النازية
المبنى الفخم بتماثيله ومعماره وساحته الواسعة، هو مبنى البرلمان الألماني القديم في ألمانيا النازية، والحقيقة إنني قد شردت بذهني لأفكر أن هذا المبنى كان له دور مؤثر للغاية في التاريخ، فبحريق المبنى على يد مواطن ألماني من الحزب الشيوعي في عام 1933، استطاع أدولف هتلر أن يسن قوانين مقيدة للحريات بدعوى الحفاظ على ألمانيا، وكانت الشرارة الأولى لصعود النازي وتمكنهم وهو ما تلاه من قيام الحرب العالمية الثانية بكل فظاعتها.
"دماء على الإسفلت" النصب التذكاري لأعضاء الرايخستاج
لا يمكن ألا يخطف البصر، فبينما أمر من أمام مبنى الريخستاج حتى رأيته، لم أفهم ما هو في البداية ولا إلى ماذا يرمز ولكن شكله الغريب قد جذب نظري على الفور، لأعرف أنه النصب التذكاري لأحياء ذكرى 96 من أعضاء الرايخستاج، الذين قتلوا تباعا لمخالفتهم الرأي مع النظام النازي، وهكذا فإن النصب عبارة عن 96 لوح من الجرانيت الرفيع الأسود الحاد والملوث في حافته بما يشبه الدماء وكأن هذه الألواح هي المقصلة التي قتلت هؤلاء النواب وعلى كل لوح، اسم النائب القتيل وتاريخ ميلاده ووفاته كذلك، إنه شيء رهيب عندما تتخيل أن هذه الألواح هي حيوات بشر عاشوا وماتوا هنا.
ساحة وبوابة نابليون تصاريح وختم نسر وشغل بيروقراطية 100%
كأي طفلة تهوى التذكارات جريت على "عمو" الجندي الذي يقف في ساحة نابليون لأصوره وربما اشتريت منه وثيقة سفر حقيقة تسمح لي بالسفر من ألمانيا النازية، فالجندي الذي يرتدي زي جنود الـSS الألمان يحمل حقيبة بها كافة الأختام البيروقراطية والورق الأصلي لتصريحات ووثائق السفر في العصر النازي، ويمكنه أن يستخرج لك وثيقة سفر باسمك حقيقة بالأختام الأصلية مقابل 10 يورو، كما يمكنك أن تلتقط له صورة تذكارية مجانًا، وبوابة نابليون هو المكان الذي دخل نابليون لألمانيا عبرها وستدهش من جمال العمارة هناك.
"مين ده؟" ماذا يفعل خالد سعيد في برلين؟
أسير فوق الرصيف على بعد خطوات من ميدان "لوتس بلاتس" وبينما ألتفت جهة اليسار حيث تقع الحديقة الخلفية لمؤسسة فريدرش ايبرت الألمانية الشهيرة، لأحد رسمه بالحجم الكبير لوجه خالد سعيد، لوهلة لم أفهم ماذا يفعل هذا الرسم هنا، لأكتشف أن المؤسسة قد صنعت هذا العمل الفني ووضعته في حديقتها كتحية للثورة المصرية، وبصرف النظر عن موقفك السياسي فأنت كمصري وعربي لن يمكنك عدم الاندهاش عندما ترى هذا المشهد.
عندما رفضت أكل السوشي وركبت دراجة بوزن 100 كيلو
دعني لا أنهي المقالة حتى أخبرك بأخر سرين من أسراري فأولا أنا لا أطيق الأسماك، ولذا عندما أخذنا المترو في طريقنا للمطاعم الشهية، ووقع اختيار الجميع على أحد مطاعم السوشي، كان القلق من نصيبي، فلم يمكنني أكل اللحوم ولا أكل خلطة الجمبري بالنبيذ ولا شرب البيرة التقليدية والتي يحضرونها في أكواب يصل طولها ربع متر تقريبًا، وأيضًا لا أحب الأسماك، وهكذا كان نصيبي من هذا العشاء الفاخر هو زجاجة من البيبسي لأشاهدهم وهم يأكلون بنهم وأنا أظهر مدى سعادتي بطعم الصودا، وحقًا قد عوضت هذه الساعات من الجوع بربع كيلو من الكباب المشوي من المطعم التركي في طريق العودة، ولكن هذا لا ينفي أن شكل السوشي البرليني الرائع كاد يجعلني أتنازل عن كراهيتي للأسماك، لذا فلا تضيع فرصة تجربته وتجربة الكباب كذلك.
وبما أنني لم أأكل فقد قررت أن أخوض تجربة أخرى، وهي سري التالي، فأنا لست خفيفة الوزن، ووزني يقترب بسعادة من 100 كيلو حتى لو لم تصدق أنت ذلك لكوني طويلة القامة، كما أنني جبانة ولم أركب في حياتي دراجة، ولكن مع رؤية كافة المواطنين من حولي يتركون سيارتهم ليحصلوا على دراجة من أي محطة للدرجات فوق الرصيف والمنتشرة بشدة هناك، وقد رأيت الممتلئين بشدة والعجائز والأطفال يركبونها ببساطة فقد تحمست، وأمام الفندق حيث تقع محطة تأجير دراجات للسياح قررت التجربة، وبالطبع كما تعرف كانت النتيجة التصاق وجهي بالأسلفت مع جرح لا بأس به في قدمي، والقوم حولي يتجمعون ليساعدوني على القيام بعد هذا "الهُدر المحترم"، لذا كنصيحة ركوب الدرجات هناك متعه فقط تعلم كيف تركبها قبل السفر.
ربما يهمك أيضًا
شاهد أماكن اخرى جميلة حول العالم
تجربة بجد.. لمحدثي السفر سافرت برلين؛ عقبالك