إنه بيت الكريتلية أو متحف جايير أندورسن أو بيت الجزار أو منزل أمنة، كلها أسماء لنفس المكان، وهو المنزل الأثري المبدع المتواجد بين حي السيدة زينب والخليفة بجوار مسجد أبو طولون، والذي وصلت شهرته إلى لندن دون أن نعرف عن جماله شيء.
جبل في السيدة زينب وبيتين في بيت واحد
قرر عبد القادر الحداد في عام 1540م أن يبني بيت فوق الجبل، فمنطقة السيدة والخليفة كانت تحوي جبل صغير يدعى جبل يشكر، وقد تم بناء جامع احمد بن طولون فوق هذا الجبل كما تم بناء منزلين متتالين منزل عبد القادر الحداد وبعدها بما يقرب القرن في عام 1642 قام الحاج محمد الجزار ببناء منزل أخر أكبر حجمًا وأجمل في المعمار والزخرفة، لم يكن الرجليين يتخيلا أنهما يبنيان أثر هام سيدوم لقرون عديدة.
سيدة من كريت تعيش فوق جبل يشكر
مع مرور السنين وفي بداية القرن التاسع عشر تم بيع بيت الجزار لسيدة من جزيرة كريت وبيت الحداد لسيدة من الصعيد وهي أمنة بنت سالم، ومن هنا سمي المكان ببيت الكريتلية أو بيت أمنة إلا أن الزمن كان قد أثر على جمال البيتين وتهدم معظم اماكنهما وكانت الحكومة قد قررت أن تزيلهما أثناء توسعة مسجد أبن طولون إلا أن القدر رفض أن يزالا من الوجود.
موضوعات ذات صلة
بيت السحيمي و أماكن نادره في مصر
أقدم شارع في مصر
أحلي فطار في القاهرة
الضابط الإنجليزي يقع في غرام برقع مصرية
ضابط وطبيب انجليزي أسمة جايير اندرسون كان يمر أمام البيت في شبابه ليرى فتاة مصرية تقف بالبرقع في المشربية فيجن جنونه حتى وقع في حبها في صمت لم يفصح عنه، وبعد 29 عام بعدما تقاعد ولكنه بقى يعيش في مصر التي ذكرها في مذكراته التي عرضت في متحف لندن بأنها أحب الأرض إلى نفسه، وفي عام 1935 سمع عن قرار الحكومة المصرية بهدم البيتين، فتقدم لها بعرض أن يقوم بترميم البيتين مع هيئة الآثار ويسكن بهما، وانه سيمد البيتين بكافة مجموعته الآثرية من التحف والآثار التي يعشقها، ليكون البيت بعد وفاته متحف لهذه التحف.
أندرسون يرمم المنزل ويبني القنطرة
وهكذا قام أندرسون بصرف مبالغ طائلة على ترميم المنزلين على نفس طرازهم المعماري السابق، وبني بينهما قنطرة ليربط بينهما، ونقل كافة قطعه الأثرية الثمينة التي جمعها من كل إنحاء العالم لتكون حوله في المنزليين، بل إن كل قطعة اثاث تواجدت في المنزل تعتبر آثر ثمين ومتميز.
سليمان الكريتلي اليوناني خادم ضريح سيدي هارون الحسيني
لم يسكن جايير وحده في المنزل بل استعان بخادم عجوز يوناني كان يعمل لدى السيدة الكريتية، واسلم فأصبح يدعى بسليمان الكريتلي ووهب نفسه لخدمة ضريح "سيدي هارون الحسيني" كما يطلق عليه هناك، وهكذا أصبح الرجلان أصدقاء، وقد قام سليمان بحكي الكثير من القصص الشيقة والتي اغلبها كاذب وغير حقيقي لجايير وهو ما أثار خياله بشدة.
كتاب أساطير بيت الكريتلية أصدر من لندن
من خلال حكايات عم سليمان قام جايير بتأليف كتاب أسماه أساطير بيت الكريتلية، ونشرة في لندن ليحقق به نجاح كبير، الكتاب يحكي عدد من الحكايات بعضها شديد الخيال، وبعضها مقتبس من قصص القرآن وقد تم تغيير مكان الحدث ليصبح في بيت الكريتلية، حيث حكى قصة سيدنا إبراهيم وذبح سيدنا إسماعيل مدعيًا حدوثها في جبل يشكر في موضع البيت، كذلك ادعى أن هذا الجبل هو الجبل الذي كلم الله موسى عليه السلام فوقه، ولكن لم تخلو الحكايات من حكايات طريفة كذلك.
ملك الجان أمر ببناء البيت ويسكنه ثعبان طيب
فقد وردت في الكتاب حكايات ملك الجان الذي أمر الجزار أن يبني البيت هناك لتعيش به بناته السبع في أمان فوق جبل يشكر، وكذلك حكاية الثعبان الطيب الذي رأى صاحب البيت ينهر أطفاله عن قتل ثعابين وليدة فقام بكسر زير ماء مسمم كي ينقذ الرجل وأسرته وهذه الحكايات الخيالية المفعمة بالجو الشرقي للمشربيات والبراقع والمنمنمات والجان قد أثارت خيال الغربيين لتجعل الكتاب في أفضل الكتب مبيعًا في عصره.
جايير يموت ويوفي بوعده مع العشرات من القطع الأثرية الثمينة
وهكذا عند وفاة جايير في عام 1945، كان قد تنازل عن المنزل بمحتوياته لهيئة الآثار المصرية التي حولته لمتحف باسم متحف جايير أندرسون، وهو يحوي عدد ضخم من الأثاث والمنحوتات والأثرية التي وضعها جايير به، ويمكن زيارته بمجرد مشوار سريع لحي الخليفة.
جيمس بوند عاش في بيت الكريتلية
والحقيقة أن شعبية البيت في الخارج دفعت صانعي أفلام جيمس بوند إلى تصوير جزء من فيلم الجاسوسة التي أحبتني في أحد قاعات البيت الشرقية المثيرة للخيال.
الفيل الأزرق أيضًا صور هناك
وليس جيمس بوند فقط من اهتم بجمال بيت الكريتلية وقرر التصوير به، بل جزء كبير من فيلم الفيل الأزرق2 صور هناك حيث متحف جاير أندرسون، فغالبية أحلام يحيى -كريم عبد العزيز- التي تدور في الماضي صورت هناك حيث عبق التاريخ الحقيقي وجمال الصورة.